جلس قلبي شريدا على شوارع القلوب في ليلة مقمرة .. أخبرني أنه في تلك الليلة ناجى القمر وسأله عن حكاية عاشق، عاشقٍ ذاب وجدا واشتياقا ... أطلق القمر زفرة طويلة بدت وكأن كهلا ينفس عن هم دهر قد مضى، ثم استطرد قائلا: " أما إذا أردت التسامر عن شيء مسماه الحب فهناك الكثير لكي يقال فالعشاق في كل زمان وكل مكان بالرغم من كل العوائق، والتحديات .. وقصص بعضهم أصبحت أساطير مشهورة .. مرةً حدثني قلب قد جلس عند زاوية الشارع الشمالية عن مشاعر لم يفهمها، كان مهموما قد أسكره الوجد والعشق .. ورغم سكره فإنه أفاء بأخباره في توجد وتحسر أسكب من محجر عيوني دمعا من خلائقه الكبر !!
يروي القلب المسكين قصته قائلا: " منذ زمن بعيد لم أكن إلا عضلة تجيد ضخ الدم في جسد امرءٍ قال لي آخر مرة قد رأيته فيها أني قد قتلته !! وبينما أنا منهمك في ضخ هذا الدم الذي يحتاجه هذا المسكين أكثر من أي شئ آخر .. فجأة أحسست بنبض قلبٍ آخر لم أملك إلا أن أبادله النبض بنبضٍ أظن أنه أعيا صاحبي حتى هاج شوقا واشتياقا .. فقد رأى العاشق المسكين من كان يسميها "حبيبة" .. أنا كقلب لا أستوعب هذه المسميات الكبيرة ولكني فقط أشعر .. إن لي إلا شعوري وأستطيع به أن أجعل صاحبي أكثر سعادة، وأن أجعله يرى الدنيا أجمل وانظر .. مع هذه المشاعر لن يحس بأي ألم، لن تستطيع الحياة كسره أبدا ما دام هائما بهذا الذي يسميه الحب !!
كان صاحبي كثيرا ما يتكلم عن الحب والعشق .. وكم من مرة أتعبني نبضا عندما كان ينهض في هزيع الليل ليحلم بالحبيبة، لم أكن أفهم سوى التعب الذي أجنيه من وراء هذا السهد وطول السهر .. ولكن عندما رآها صاحبي خفقت نبضا وفرحا فقط لأني شعرت بنبض قلبها .. بت أنا كذلك أتلذذ بالنبض من أجلها ومن أجل قلبها .. كان صاحبي ينام ويصحوا حلما بها، كانت لتكاد تسري كالدم في عروقه حتى أني مرة شعرت أنه يتنفسها .. رغم أني في تلك الفترة نبضت نبضا ما نبضته طوال عمري قبله إلا أنها كانت أجمل ما عشت من سنين .. أجمل ما نبضت من أجله، أصبح صاحبي يتلذذ بالجمال في كل شيء .. أصبح لا يقاوم جمال فراشة ولا زهرة عطرية ولا فجرا شتويا ولا سحابة صيفية، لم يكن أبدا أرقَّ مما كان عليه آنذاك .. حتى هو كان يحدث نفسه أنه أضحى أجمل، سكنه الحب في كل قطرة من دمه وفي كل نفس تنفسه .. كان عاشقا !!
لفترة طويلة استطعت أن أجعل صاحبي غارقا في السعادة، كنت أنا كذلك غارقا في السعادة فأنا ولأول مرة أجد قلبا يبادلني النبض بكل هذه القوة .. إلى أن أتى ذلك اليوم المشئوم يوم أن أخبرني صاحبي أن الحبيبة قد فارقته .. لا أدرك معنى ذلك، ولكن ما فهمته فيما بعد أني لن أسمع نبض قلبها أنا كذلك ولن أشعر به أبد الآبدين .. بعدها أظلمت الدنيا، وانطفأ الجمال في كل شيء، أنا غرقت في حزن مدقع لدرجة أني ماعدت أرغب بالنبض حتى بالدم .. بعت الحياة من أجل قلبها، شعرت كأن سما قد سرى بداخلي، أصبحت عذابا على صاحبي لكثرة شوقي لنبضها .. ولكن مالم أفهمه لماذا كان صاحبي يحملني كل اللوم دائما؟ حتى اتهمني يوما أني قد قتلته !! " "
سكت القمر عن الرواية برهة .. ثم استطرد قائلا: " قد حان الوقت لأتاورى خلف تلك الجبال وأنت أيها القلب احذرن ألا ترهقن صاحبك بما لا طاقة له به .. واتخذ من حكاية هذا القلب عبرة وعظة فهو لن يلوم سواك يوم لن يجد سواك ليلومه .. !!"
مضى بعدها قلبي في حال سبيله .. وهو يحاول أن يعي نصيحة القمر كما قال لي .. ولا أظنه أنه سيعيها أبدا .. فميزة القلوب أنها لا تعي النصح ولا النهي ولا الأمر .. ومن الممكن أن تقتل أصحابها حتى ولو كانوا أقرب أحبابها .. فالقلوب لا تفهم أيها الأعزاء .. لا تفهم !!