** ( منتديات المستحيل ) **
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** ( منتديات المستحيل ) **

حيث نلتقي .. نتشارك الأراء .. نتحاور ..
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 رحلة مع الليل !!!

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبق الربيع
عضو فعال
عضو فعال



عدد الرسائل : 13
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 02/10/2007

رحلة مع الليل !!! Empty
مُساهمةموضوع: رحلة مع الليل !!!   رحلة مع الليل !!! Icon_minitime3/10/2007, 10:52 pm

[size=24]ليس الليل مجرد غياب النهار ونوره، الليل كيان قائم بذاته والتأكيد على هذا في القرآن الكريم في آيات عديدة هو أمر لافت يثير التساؤل ويستدعي التأمل.
لدى امتنا علاقة خاصة بالليل. كيف لا واجمل الأسماء ليلى!! أولسنا نحن الأمة التي قدمت للعالم ألف ليلة وليلة ، كأحد أهم منابع الثقافة والحكمة والفن، حديث الليل حديث لا ينتهي، والحديث عن الليل أيضاً لا ينتهي ، سأبدأه هنا ونهايته لديكم يا من ستقرءون رحلتي هذه ..


رحلة مع الليل :
الليل والنهار ضدان ، جاء في التهذيب، ونقله ابن منظور في معجمه. "الليل ضد النهار، والليل ظلام الليل والنهار الضياء". إلا إن هذه الضدية، وإن كانت صراعية في بعض الأحيان، فهي أيضا تكامليه ومن ضرورات الوجود. يقول دوقلة المنبجي في وصف " دعد" :
لهفي على دعد وهل خلقت إلا لطول تلهفي على دعد
فالوجه مثل الصبح مبيــض والشعر مثل الليل مســـود
ضدان لما استجمعا حسنـــاً والضد يظهر حسنه الضد
فالبياض والسواد ، كالليل والنهار، من محاسن الأضداد.

وللجاحظ كتاب هو كتاب " المحاسن والأضداد" سيظهر فيه ما لهذا الطباق من حسنات، فالنهار ابن الضوء، والضوء ابن الشمس، والألوان بنت الضوء، ومن دون الضوء تكون ظلمة والظلمة عَماء.
في النص القرآني إن الله هو "نور السماوات والأرض" . والضوء غير النور. الضوء منسوب للشمس، لكن النور تبعاً للآية الكريمة آنفة الذكر، اعظم وقعاً، فلم يأت فيها " الله ضوء السماوات والأرض" بل " نور السماوات والأرض". كذلك ألف ابن عربي في " الأنوار المحمدية" وليس في الأضواء المحمدية.. فالنور رمز اعظم من الضوء. هذا على إن في الاستعمال السائد في كثير من الأحيان من يخلط بين الضوء والنور. فيقال: ضوء الشمس ونور الشمس، بالمعنى نفسه.
ولا يتصور الليل من دون النهار، ففي ذلك، فيما لو تم ما يشبه التدمير للحياة الكونية والبشرية على السواء، صحيح انه حين يكون في هذه الناحية من الأرض ليل، يكون في الناحية الأخرى نهار، وأن مواقيت الليل والنهار متغيرة تبعاً لحركة الشمس والقمر... وصحيح أيضاً ان ليل القطب يمتد على نصف العام، ونهاره النصف الآخر.. إلا انه دائماً لابد من تعاقب بين الليل والنهار.. يقول عمر الخيام (بترجمة احمد رامي) : ".. فكم توالى الليل بعد النهار".
إن التعبير المجازي في العربية " ليل بلا آخر" يشير إلى عقوبة بشرية لا تنتهي... فكل من لا ينتهي ليله لا ينتهي عذابه أو مأزقه. حتى لكان المقصود من العبارة هو " عذاب بلا آخر".

الليل في القرآن الكريم :

يشير القرآن الكريم إلى المرحمة في تعاقب الليل والنهار، ويسوق افتراضاً ما للتأكيد على هذه المرحمة: "قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة؟" (القصص:71). فهذا التوازن في مواقيت الليل والنهار، وفي تعاقبهما، هو توازن وجودي قائم وضروري للحياة واستمرارها، ليس لحياة الإنسان على الأرض وحده، بل لحياة جميع الكائنات أيضاً من حيوان ونبات وجماد. فكما يفعل القمر فعله في حركة المد والجزر في البحار، فكذلك للشمس في النهار دورها في حياة الكائنات جميعاً، وكذلك لليل دوره الحاسم.
ومن لطف الخلق أيضاً، بل من جمالهن فعل استدارة الليل على النهار، واستدارة النهار على الليل... " يكوز الليل على النهار، ويكوز النهار على الليل" (الزمر:5)، كأنما ثمة تعاطف تكويني بين هذين الطرفين من أطراف الخلق، كتعاطف الذكر والأنثى.
وقد ورد لفظ الليل ومشتقاته( ليلة، أليل، ليال،...الخ) زهاء الخمسين مرة في آيات القرآن الكريم. وهي موزعة ما بين اعتبار الليل آية من آيات الخلق أو مطرحاً للقسم به نظراً لما له من دلالة على عظمة الخالق. وبين اعتباره فسحة للسكينة والهدوء أو الصلاة والتأمل.
فمن آيات الخلق، تلك التي يرد فيها الليل كجزء من القسم أو مطرح له: " والضحى،والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى" (الضحى:1-3). " والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس" ( التكوير:17-1. "ولليل إذا يسر" (الفجر:4). " والفجر، وليال عشر" ( الفجر:1-2).
أما الآيات التي تدل على السكون، أو سكينة النفس أثناء الليل، فتتدرج ما بين طمأنينة النفس الهاجعة وطمأنينة النفس المتأملة أو المتهجدة العابدة المصلية. وصولاً إلى طمأنينة النفس المتوفاة. فقد ورد في الآية 60 من سورة الأنعام " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" . وورد في الآية 67 من سورة يونس " هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً" ومثله ما ورد في الأنعام "وجعل الليل مسكناً" .
وجاء في الذاريات "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون" (17). أما آية الآيات فهي ليلة القدر : " إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربك من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر" (سورة القدر) ... فهي ليلة إنزال القرآن على الرسول( صلى الله عليه وسلم) ، وفي فضائلها وخصوصيتها أفاض السالكون والشارحون إفاضات كثيرة.
وقد سمت العرب الليلة الأخيرة من الشهر "الدأداء" ... ولأولها اسم ولأوسطه اسم ... ولبعض الليالي حرمتها الخاصة ( الأشهر الحرم التي تحرم فيها الحرب)، ولبعض الليالي قدسيتها الخاصة(الليالي العشر...).


حركة الليل ومراتب الظلمة :

جاء في اعتذاريات النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت إن المنتأي عنك واسع
فأين إذن يفر الإنسان من الليل؟ فالليل هنا قدر واقع لا محالة
.

ولليل في حركته ومراتبه ، عبارات واوصاف. ففي الإفصاح في فقه اللغة " إن الجديد هو الليل، والجديدين الليل والنهار". فالشفق ضوء الشمس وحمرتها أول الليل. أما الغسق فأول ظلمة الليل، ويقال له الظلام، فالفرق بين الغسق والشفق هو إن الشفق منسوب للشمس المعتمة والغسق منسوب لليل.
ويسمى الثلث الأول من الليل العتمة، كما يطلق الهزيع على جزء من الليل نحو ثلثه أو ربعه أو نصفه. وحين يشتد ظلام الليل، فانه يأخذ من اللغة أسماء، فالفحمة هي فحمة الليل، وهي خاصة بالصيف، أي بالليل الصيفي، والغبش شدة الظلمة، ومثله الدغش. إلا إن الدغش أول الظلمة، والسدفة الظلمة، والديجور الظلام وهو عكس النور وضده. يقال: " النور والديجور". أما جنح الظلام فظلامه واختلاطه. والحندس( بالحاء المكسورة والدال المكسورة) وجمعها حنادس، الظلمة والليل الشديد الظلمة. ويسمى الليل البهيم حين لا يبصر فيه شيء. وهو الأشد سواداً والليل الأليل، الشديد الظلمة.
وكما لليل أسماء في حالات إقباله، وأسماء في حالات اشتداد سواده وحلكته، فله أسماء في حالات أدباره، فالموهن حين يدبر الليل، قال جرير في وصف الذئب:
وأطلس عسال وما كان صاحباً دعوت بناري موهناً فاتاني
فالعرب في الصحراء، كانوا يوقدون في الليل النار ليأنسوا بها، ويدعوا إليها الضالين في الصحراء يأتوا إليهم يدفئوا بها ويأكلوا من طعامهم. وهي نار القرى. وينسب لحاتم الطائي:
أوقد فإن الليل ليل قــــر والريح - يا غلام- ريح ضر
عل يرى نارك من يمر عن جلبت ضيفاً فأنت حــر

يقال أيضاً " حاطب ليل" أي باحث عن الحطب في الليل ليوقده ويدفأ بهن وكما الغسق أول ظلمة الليل فإن السحر آخره، والفلس قبل الصبح.
وفي حركة الليل أفعال كثيرة، ومنه اشتقاق فعل "أليل".. ففي متن اللغة " أليل القوم دخلوا في الليل" .و "لايله أستأجره لليلة" وهي ضد المياومة التي هي استئجار ليوم. والليلي من الرجال هو الذي يحب سرى الليل. أما "ابن الليل" فكناية عن اللص. واللصوص أبناء الليل. وبنات الليل هن الهموم وصوادق الأحلام. أما "زوار الليل" فكناية عن رجال الشرطة والبوليس الذين يفاجئون المطلوبين للسلطة بزيارتهم الليلية.
في حركة الليل يقال:" عسعس الليل، إذا أقبل بظلامه أو أدبر". ويقال أيضاً "سجا الليل" أي ستر بظلمته. ويقول أحمد شوقي في مسرحية مجنون ليلى:
سجا الليل حتى هاج لي الشعر والهوى وما البيد إلا الليل والشعر والحب
ويقال" دجا الليل" أي تمت ظلمته. ويقال "جن الليل" أي ستر وأخفى. والمجن هو الترس الذي يحمي المقاتل. أما الجنة فهي الحماية. والجن سميت كذلك لأنها كائنات مستترة(ليلية). يقال: "أجنه الليل" أي ستره وأخفاه.
قال شمر بن الحارث،( وهو من اعجب أبيات الشعر العربي نظراً لما ينطوي عليه من أبعاد لغوية ونفسية وإبداعية، وقد ورد في كتاب الحيوان للجاحظ):
أتوا داري فقلت "منون" قالوا سراة الجن قلت عموا ظلاما
والمفارقة الأولى في البيت تأتى من قول الشاعر"فقلت منون"، وليس في اللغة جواز استعمال "منون" مكان "من" الاستفهامية... وهو يقصد "من انتم؟"... وتفسر على محمل الخوف والاضطراب الذي وقع فيه الشاعر حين أتي الجن داره في الليل بغتة، فأضطرب، فبدلا من قوله" من انتم؟" قال " منون" . إلا أن الأرجح هو لجوء الشاعر لهذا التجاوز في استعمال اللغة لضرورة استقامة الوزن. أما المفارقة الثانية فتاتي من قوله "عموا ظلاماً" فالتنعم بالظلام أمر عجيب، ولا يقوله سوى الشاعر" الذي يحق له مالا يحق لغيره".



التأمل في سماء الليل :
في الليالي الصحراوية الصافية النظر إلى قبة السماء يمنح الإنسان الشعور بالمتعة أو بالخدر اللذيذ. الكواكب التي تزين قبة السماء تنبض مثل نقاط من الضوء، وربما تحرك بعضها من موقعه، أو هوى بشدة (يقال زرق النجم). هناك شعور بجلال الكون في ليل الصحراء، خاصة إذا توسط البدر قبة السماء، وكان كبيراً وتحيط به هالة من الضوء الفضي.
عن ذلك يغري الإنسان بالتفكر في خلق السماوات والأرض، ويطلق العنان لمخيلة الشعراء، وربما حرك في نفوس العشاق والساهرين أحاسيس الجوى، وربما أثار شيئاً من الحزن، من خلال الصمت والتأمل، تكون ضوضاء النهار قد أزاحته قليلاً عن صدر الإنسان، أو أرجأت تحركه لحين هبوط الليل.
كان هناك علم التنجيم. وقد كانت شعوب الحضارات الباكرة تؤمن بالأنماط الثابتة للنجوم في السماء. قسمت سماء الليل إلى بروج، وأطلقت الأسماء عليها وعلى الكواكب. وكان التنجيم يغلب على علم الفلك، ويرى المنجمون قدرة الأحداث في السماء على التأثير في حياة البشر على الأرض، فرصدت مواقع الكواكب بغرض التنبؤات التنجيمية، وتداخلت واجبات القساوسة الوثنيين والفلكيين... فعلى سبيل المثال، كان هيكل "الزكورة" البابلي الشهير، نصف معبد ونصف مرصد. وكان الفلكيون في الصين يرسمون مخططات مواقع النجوم منذ أوائل القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وحتى بداية القرن السابع عشر، كان معظم الناس يعتقدون إن الأرض ثابتة وتقع في مركز الكون، إلى أن حققت المعرفة الفلكية قفزة رئيسية للأمام، عندما تم توجيه المقراب (الناظور) المخترع آنذاك، على السماء. واثبت "جوهنز كيلر" إن الكواكب تدور حول الشمس، وان الأرض ليست ثابتة، كما كان يسود الاعتقاد، بل هي أيضاً تدور حول الشمس... وهكذا ولد تفسير جديد للظواهر الكونية والفلكية. وولد علم الفلك الحديث.
تدور الأيام والسنوات والقرون، وتنظر في الليل إلى السماء.
نجوم... نجوم... نجوم... يقدر الفلكيون إن أقدم نجم من نجوم الليل عمره 15 بليون سنة، وان أدني نجم على شمسنا هو "الظلمان الأقرب" . وهو على بعد 4 سنوات ضوئية من الأرض.
إنه نجم قزم احمر خابٍ ...


السماء تدور في الليل أم الأرض ندور ؟؟
تبدو النجوم بالنسبة لمراقب على الأرض ثابتة كمسامير في السماء. ويظهر إن هناك كرة محدقة واسعة تدور حول الأرض من الشرق على الغرب، دورة واحدة في اليوم...
لكن هذه الرؤية غير صحيحة، الأرض هي التي تدور لا السماء.
ومع ذلك، فغالباً ما يفيد التظاهر الفلكيين بوجود هذه الكرة حقاً في السماء، فيمكن حينئذٍ تحديد قطبي الأرض وخطوط العرض والطول على الكرة السماوية، مما يساعد الفلكيين على وضع خارطة لمواقع النجوم في السماء.



===== يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبق الربيع
عضو فعال
عضو فعال



عدد الرسائل : 13
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 02/10/2007

رحلة مع الليل !!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع الليل !!!   رحلة مع الليل !!! Icon_minitime3/10/2007, 11:03 pm

الليل في الشعر العربي :

1. صور الليل في الشعر الكلاسيكي :
إن ما يغري الشعراء بالليل، عتمته وغموضه، والسحر المنبثق من أعطافه، فضلا عن البعد عن ضوضاء النهار والصمت المغري بالتأمل والاستغراق، ما يجعل النفوس تطلق هواجسها على مداها الواسع.
وليل الشعراء ليس واحداً، فهو بين طويل وقصير، وهو بين مساحة للحزن والانتظار، أو مساحة للفرح واللقاء، وربما كان فسحة للتأمل أو للعشق أو للذة أو للاستغراق الميتافيزيقي، وربما كان مدى للآلام النفسية أو الجسدية. إن ليل الوجع ليل طويل، أما ليل المتعة فليل قصير.
قال الشاعر:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنهـــا وهجرة النار يصلينا به النـــــــارا
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة إن لم يزرني وبالجوزاء عن زارا

ولو تتبعنا الليل كمفردة وكمعنى أو مناخ، في الشعر العربي، لوجدناه ملازماً له من بداياته المعروفة ومرافقاً له في جميع مراحله حتى اليوم. فالليل في الصحراء العربية كان من لزوميات الشعر الجاهلي. لكن الليل بالنسبة للشاعر الجاهلي لم يكن واحداً ومتماثلاً، فلكل شاعر ليله. مثلما إن "كلاً يغني على ليلاه" ... يقول امرؤ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأصناف الهمــــوم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبـــــــــه واردف أعجازاً، وناء بكلــــكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجــــل بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فليل امرؤ القيس ليل حسي ... يشبهه الشاعر تشبيهين حسيين يظهران على طرفي نقيض: هو من جهة، كموج البحر تشبيهاً، وهو بعد ذلك كالجمل استعارة ... فينتقل امرؤ القيس في بيتين من الشعر، من البحر إلى الصحراء، في وصفه لليل. لكن امرؤ القيس هو ليل ابتلاء وهموم، فهو مدى وزمان للحزن، وليس مدى للتأمل أو الفرح، ليل أمرؤْ القيس ليل هم، لا ليل رومانسية أو ليل شراب أو ليل حب.
أما الليل الذي يصفه النابغة الذبياني، فهو مدى وجودي كالقدر. يقول مخاطباً النعمان بن المنذر، واصفاً هروبه منه، وأين؟ إنه كالقدر الذي لا فكاك منه.
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت إن المنتأى عنك واسع

والليل الصحراوي على الغالب، ليل قرى، وإيقاد للنار في الصحراء القاسية ، ليستهدي بها الضالون والجياع، من الناس، وحتى من الوحوش فيغدو الذئب صديقاً للإنسان، وتجمع قسوة العيش بين الأضداد المتناهشة، فتتعاطف وتتحاب.
ومن اجمل ما قيل في الليل، كمدى للعاشقين، وفسحة ستر لهما يتمنيان ألا يكشفهما النهار، قول الشاعر الجاهلي عامر بن الحارث النميري:
وود الليل زيد عليه ليل ولم يخلق له أبداً نهارا

والليل كشرط رومانسي للشاعر العاشق الحزين أو للأسير، يظهر في اجمل مظاهره، في قصيدة أبي فراس الحمداني التي قالها وهو في سجن خرشنة من بلاد الروم، ومنها:
إذا الليل اضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

فليل أبي فراس هنا، ما هو ؟
إنه ليل الستر، حيث يطلق فيه الشاعر أسباب الهوى، ويبسط يده فيه... فلا يراه أحد أو يشمت به شامت، وهو ليل يمكن أن يطلق فيه الشاعر دمعه(يذله) فلا يراه أحد أيضاً، ولا ينال من خلائق الكبرياء فيه. والكبرياء تمنع الشاعر من البكاء لكن الليل ستر.

وليل الفرزدق كما يهجوه به الأخطل، هو ستر لغواياته:

لقد ولدت أم الفرزدق فاجراً فجاءت بوزار قصير القوائم
يوصل حبليه إذا جن ليلـــــه ليرقى إلى جـــاراته بالسلالم

ويقول بشار بن برد، وفيه يظهر الليل مضاعفاً بالنسبة لشاعر أعمى كبشار:
وطال علي الليل حتـــــــــــى كأنه بليلين موصول فما يتزحزح
كان الدجى زادت وما زادت الدجى ولكن أطـــال الليل هم مبرح

ويصف المتنبي الليل في أماكن متعددة من شعره، فهو يشبه مجموعة من النجوم تسمى "بنات نعش" في الدجى بنساء حييات ينظرن بخفر. ووجه الشبه إن ضوء بنات نعش خافت خفيف كنظرات النساء الحييات. يقول:
كأن بنات نعش في دجاها خرائد سافرات في حداد
ويشبه المتنبي في بيت من أبياته، الليل الأسود بعين الظبي. وهو القائل في الفخر ببيته الشهير:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وله بيته الشهير أيضاً في الغزل:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغر بي
ويقول في قصيدة يصف فيها الحمى:
وزائرتي كان بها حياء فليس تزور إلا في الظلام

أما ليل أبى العلاء المعري، فهو ليل مضاعف وكثيف، ليل فيه زيادة هي زيادة الإحساس الخاص به، إحساس الأعمى بالليل، وهو أيضاً ليل يظهر فيه توفر أحاسيس الشاعر الذي بفقدانه حاسة البصر، زيد له على سائر الحواس حس إضافي، يقول:
يـــا ساهر البرق أيقظ ساهر السمر لعل بالجزع أعواناً على السهـــــر
يود أن ظلام الــــليل دام لــــــــــــه وزيد فيه سواد القلب والبصـــــــر
والنجم تستصغر الأبصــار صورته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر.


صور الليل في الشعر الحديث:

بنقلة طويلة من الزمان، نجد نازك الملائكة الشاعرة العراقية التي أسست مع بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي الحداثة في الشعر العربي، تصدر ديواناً مبكراً لها في ستينيات القرن الماضي بعنوان "عاشقة الليل" فالليل لدى نازك الملائكة هو مطرح رومانسي للعشق. لكن الشاعر الفلسطيني محمود درويش يجعل من الليل رمزاً للمحنة أو الضيق، من خلال ديوانه "آخر الليل نهار".
يطور شعراء الحداثة العربية بعد ذلك، التعامل الإبداعي مع الليل، وينقلونه خاصةً على أيدي كل من أدونيس (علي احمد سعيد) وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، من الإطار الانطباعي، أو الرومانسي الغنائي، إلى مستويات اكثر دلالة وعمقاً. واختيار نماذج من هؤلاء الشعراء الحداثيين، هو اختيار دلالة وتمثيل اكثر مما هو سعي للإحاطة الشاملة بكل ما ورد في الليل وحوله من شعر قديم وحديث. فالليل في الشعر طويل وليس له آخر، سواء أكان ذلك في الشعر القديم أو الشعر الحديث.

الليل الإدونيسي:
رصد الليل ومشتقاته، واستعمالاتها في شعر أدونيس، خاصة في ديوانه " كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار" يضعنا أمام ليل خاص من الشعر، هو ليس بالتأكيد ليلاً انطباعياً، بل هي في الغالب ليل تعبير تجنح به رمزيته نحو اتجاه حلولي حيث العناصر تندمج في ذاتها بجميع نقائضها، وتذوب الحدود الفاصلة بين الليل والنهار، ثم تندمج بعدئذٍ في ذات الشاعر، في ما يسمى فلسفيا بوحدة الوجود. في قصيدة " شجرة النهار والليل" يقول:
ويضيء الليل الصديق
وتنسى نفسها في فراشي الأيام
وهو في دمجه ما بين الأشياء والعوالم والأشخاص، وفي دمجه ما بين المتناقضات، وما بين الداخل والخارج، والذات والعالم، يلخص رؤيته للعالم ( ولليل والنهار) في قصيدة بعنوان "شجرة" :

وكان والسواد في طريقه يضيء
يغير الأسماء
يعشق من مات ومن يجيء
ويهجر الأحياء
...
كل شي يعود
يكتمل التحول
يصير ندياك الليل والنهار
أعرف الآن أين يكون الليل
وحين يجي النهار
وأين يكون النهار
حين يجيء الليل ...


لدى عبد الوهاب البياتي:

الليل لدى عبد الوهاب البياتي كثير، وغزير الاستعمال، فهو تارة انطباعي، وتارة رمزي، وأخيراً هو غناء للطوطم والأسطورة. ليل العالم السفلي. يقول (وليل الشاعر هنا انطباعي). "ما أوحش الليل إذا ما انطفأ المصباح". ويقول " مدن بلا فجر تنام". ويقول في قصيدة "قمر المعرة".
...الليل في معرة النعمان
زنجية على رخام جيدها
قلائد الجمان
وهو يأخذ المعنى من المعري الذي يقول:
ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد من جمان
لكن الليل في مواضع أخرى متقدمة من شعر البياتي، يبدأ بالتدريج بالدخول في منطقة الرمز ومنطقة "الما بين". ثم يغدو ليلاً سفلياً أو مكاناً وزماناً للعالم السفلي الذي غاص غليه البياتي، وقبض في أعماقه على الطوطم والسحر والأقنعة في شعره. يقول في "الذي يأتي ولا يأتي" :
من كان يبكي تحت هذه السور؟
كلاب رؤيا سامر مسحور
تنبح في الديجور ...
تبرز هذه الرؤية الطوطمية لليل، في قصيدة "الليل في كل مكان" :
عديدة أسلاب هي الليل في المغارة
جماجم الموتى
كتاب أصفر
قيثارة
نقش على الحائط
طير ميت
عبارة
مكتوبة بالدم فوق هذه الحجارة ...

إنها النقلة الجوهرية في شعر البياتي: من الخارج إلى الداخل (مع الليل)، من الانطباعية على الرمز إلى العوالم الغامضة والسفلية.

في شعر صلاح عبد الصبور:

الليل الأكثر جوانية وخصوبة في الشعر العربي الحديث هو ليل صلاح عبد الصبور. إنه ليل الحال. الليل الحزين. الليل المر الطيب المرارة. الشغف الشفاف والإمحاء فيه كأنه الموت الناعم. الموت مع الغيبوبة في أعماق المحيط.
في قصيدة "أغنية لليل" من ديوان "أحلام الفارس القديم" يقول:
الله لا يحرمني الليل ولا مرارته
وإن أتاني الموت فلأمت محدثاً أو سامعاً
في ركني الليلي في المقهى الذي تضيئه مصابيح قديمة
حزينة كحزن عينيها اللتين تخشيان النور في النهار ...
يطور صلاح عبد الصبور رؤيته لليل، في ديوانه "شجر الليل". في قصائد هذا الديوان تختلط أنفاس الشاعر بالليل. يندرج في صمته اللانهائي وسكونه العميق الحزين. بل هو يجر في الوحدة والتأمل واستراق السمع للخفاء. الليل هنا عصب وحلول. يقول في قصيدة "تأملات ليلية":
أبحرت في عيون الناس والأفكار
وتهت وحدي في صحارى الوجد والظنون
غفوت وحدي
مشرد القبضة مشدود البدن
على آرائك السعف
طارق نصف الليل في فنادق المشردين
أو في حوانيت الجنون
سريت وحدي في شوارع لغاتها سماتها عماء
أسمع أصداء خطاي
ترن في النوافذ العمياء
أحس أني خائف
وان شيئاً في ضلوعي يرتجف
وإنني أسقط في كمين

وتفصيلات الليل أحواله، وخرائطه، يعرضها صلاح عبد الصبور في قصيدته "أربعة أصوات ليلية للمدينة المتألمة" ومما جاء فيها:
آه .. ليس هو الليل بل الرحم القبر الغابة
ليس هو الليل بل الخوف الداجي أنهار الوحشة
والرعب الممتد
والأحزان الباطنة الصخابة
آه .. ليس هو الليل بل القدر الرؤيا الهولية
وسقوط الحاضر في المستقبل
آه .. ليس هو الليل بل الجرح اليومي ينزف دماً
أسود في الصبح المقبل ...



إلى هنا تنهتي رحلتي مع الليل في الأدب العربي ولكن سيستمر إلهام الليل وحديثه إلى قيام الساعة ... وسيبقى جمال الليل لزاماً لحياتنا اليومية .. لم ولن أوفي حق الليل ببحثي المصغر هذا ورحلتي المتواضعة هذه .. ولكني أتمنى أن أكون قد وفقت في مسامرتكم بهذه اللمحات السريعة لليل في أدب العرب .. وادعوا الله أن يكون سائغاً مستساغاً لذوقكم ..رحلة مع الليل !!! Smile



....................................


بعض المراجع التي استخدمتها في بحثي هذا :
· المحاسن والأضداد .. للجاحظ .
· جواهر الأدب .. للهاشمي .
· ديوان أمرؤ القيس .
· المستطرف في كل فن مستظرف .
· معجم مختار الصحاح _ المعجم الوسيط .
· في ظلال القرآن .. وتفسير الجلالين .
وغيرها العديد والعديد من المراجع ..



[/size]ولكم مني عبق خالص
مع محبتي
عبق الربيع
flower sunny flower
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المستحيل
صاحب المنتدى
صاحب المنتدى
المستحيل


عدد الرسائل : 90
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 17/08/2007

رحلة مع الليل !!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع الليل !!!   رحلة مع الليل !!! Icon_minitime7/10/2007, 9:34 am

تم تحميل الموضوع ولي عوده للتعليق عليه في وقت قريب




وشكرا على منحنا فرصه للإطلاع عليه



تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www9.ahlamontada.com
super_x
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 33
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 02/10/2007

رحلة مع الليل !!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع الليل !!!   رحلة مع الليل !!! Icon_minitime8/10/2007, 3:55 am

نظرا لطول الطرح فإنه يتحتم علي تحميله وقراءته في وقت لاحق ..
كل الشكر على هذا البحث المتميز في الحقيقة ،،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
super_x
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 33
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 02/10/2007

رحلة مع الليل !!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة مع الليل !!!   رحلة مع الليل !!! Icon_minitime8/10/2007, 4:04 am

نظرا لطول الطرح فإنه يتحتم علي تحميله وقراءته في وقت لاحق ..
كل الشكر على هذا البحث المتميز في الحقيقة ،،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رحلة مع الليل !!!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** ( منتديات المستحيل ) ** :: المنتديات العامه :: المنتدى العام-
انتقل الى: